المعرفة المعرفة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التنمية المستدامة بدول العالم الثالت الرهانات والتحديات




اعداد : يوسف زروق 


محاضرة الأستاذ مصطفى محسن

التنمية المستدامة بدول العالم الثالت الرهانات والتحديات

برحاب جامعة ابن طفيل كلية الآداب والعلوم الانسانية القنيطرة في استضافة لطلبة علم الاجتماع الفصل الرابع بدعوة من الأستاذ السالمي استاذ علم الاجتماع الاسري 
بتاريخ 06.05.2013



المحاور الأساسية:
تقــــديم:
1 _ معضلة التعليم بالعالم الثالث 
2 _ تحديات الكبرى التنمية في المجتمع العربي 
3 _ مفهوم التنمية وتطوره من البعد الاقتصادي إلى البعد الإنساني 
4 _ شروط إقامة وبناء مجتمع المعرفة



تقــــديم:
    تعتبر التنمية من أهم دعائم بناء المواطن والمجتمع القوي ، وللتنمية مجموعة من الأشكال والمحددات، فمنها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية والتربوية وغيرها ـ لكن في مجملها تنصب حول الإنسان وبالتالي يمكن إلصاق المفهوم وإدراجه تحت مسمى "التنمية البشرية أو الإنسانية"وان كان لكل منهما سمة تختلف عن الأخرى .


المحور الأول:معضلة التعليم بالعالم الثالث 

   لقد تحدث الأستاذ مصطفى محسن بتفصيل عن هذا المعطى الذي طبع المنظومة التربوية بالعالم الثالث على مدى عقود كثيرة وصولا إلى الفترة الراهنة ، فرأى بان العديد من الباحثين والمختصين بعلم التربية والتعليم والتخطيط التربوي يفضلون تسمية ماآلت إليه الوضعية التربوية والواقع القاتم للحياة التعليمية والتربوية في مجتمعاتنا العربية على الخصوص بمعضلة التنمية أو التنمية المعاقة والمنقوصة كمًا وكيفا ، فهذه المعضلة التنموية التي أضحت عنوانا عريضا لمنظومتنا القيمية والتربوية . لها جذور تعود إلى المرحلة الكولونيالية التي طبعت دول العالم الثالث نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين . والتي امتدت إلى مرحلة مابعد الحصول على الاستقلال وتقرير المصير في العديد من الأقطار العربية ، فالمجتمعات التي كانت تحت رحمة الاستعمار وتحت قيده وتكبيله لهويتها وتراثها ومحاولة منه لطمس ماضيها وتفكيك حاضرها وتوجيه مستقبلها . جعلها في مستنقع التيه وفقدان بوصلة السيادة، ورسم معالم المستقبل للأجيال اللاحقة بما يتوافق مع التاريخ والحضارة والثقافة المميزة لكل قطر من الأقطار العربية المختلفة. فالمغرب على سبيل المثال لم يكن استثناء فبدوره واجه نفس المصير ومر من نفس التجربة المريرة التي خلفها الاستعمار الذي حاول طمس الهوية المغربية وتعويضها بثقافة مختلفة وغربية عن واقع المغاربة الذين تجذر الإسلام في حضارتهم وتاريخهم ،بثقافة غربية غريبة على واقعهم الذاتي والموضوعي .فبعد الحصول على الاستقلال لم تكن الجرأة الكافية سياسيا وأخلاقيا سواء من النخبة المثقفة أو المخزن باعتباره السلطة السياسية التي تحكم الدولة المغربية منذ عقود طويلة ،لإعادة الاعتبار للخصوصية المغربية على كل الصعد والمستويات ، وذلك من خلال العمل على القطع مع التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية التي كلفت السلطات الاستعمارية الجهد والمال لإخضاع المغاربة لخصائصه ومزاياها المزيفة . وأيضا العبء الثقيل للتناقضات الإيديولوجية والتخلف الفكري والمعرفي . 

بالرغم من كل هذا الإخفاق بقصد أو بدونه من المنظومة الحاكمة آنذاك لاستكمال الدولة الوطنية ، وبناء مؤسساتها  وتثبيت صرحها وهياكلها . فكانت مطالب بعض التيارات الفكرية التي تأثرت بالتجربة الغربية وما حققته من نجاح باهر على كل الصعد وفي كل المجالات فاق حدود جغرافيتها ، فعلت أصوات تطالب بتحقيق التنمية المستدامة والشاملة لكل القطاعات سواء الإنتاجية أو الخدماتية أو التربوية أو السياسية وكل ماهو مرتبط بالتنمية والإقلاع الاقتصادي .

المحور الثاني: تحديات الكبرى التنمية في المجتمع العربي

   لقد واجهت المجتمعات العربية ولازالت إلى يومنا هذا التحديات والاكراهات والعوائق المعرقلة للتنمية والإقلاع الاقتصادي وإلحاق المجتمع بركب المجتمعات التي حققت إقلاعا في كل المجالات بوضعها لاستراتيجيات وخطط محكمة نظرياً وإجرائيا ، فراكمت نجاحا باهراً يضرب به المثل في واقعنا المعاش ، نذكر من هذه الأمم اندونيسيا- وماليزيا -واليابان فهذه البلدان أول مااعتمدته في تخططيها التنموي للإقلاع الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي ، نهج سياسة تعليمية تربوية محكمة وذلك بالقطع مع التبعية الاقتصادية الغربية التي لم تقصر جهدا لإرباك هذه التجارب التي يمكن أن تحقق نجاحا . وبالتالي تصبح تصير منافسا لها وذات سيادة حقيقية. هذا مالم تستطع مجتمعاتنا العربية انتهاجه والسير على دربه ، لنجد في النهاية مجتمعا محكوما ومضطهدا سياسيا واقتصاديا وماليا ، تعيق برامجه التنموية وتقف حجر عثر في وجه تحقيق النمو المطلوب كالقيود التي يفرضها صندوق النقد الدولي الذي يتخذ صفة المراقب والمعيق لأي خطوة في هذا الاتجاه ، وأيضا هيمنة السوق الغربية على أسواقنا التي تعتبر تقليدية وعاجزة على المنافسة أمام العرض القوي للدول الصناعية والاقتصادية الكبرى ، بالإضافة إلى ظرفية العولمة وأثرها الكبير في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمعات النامية ، فالعولمة وضعت أمام الحكومات والتيارات بشقيها السياسي والثقافي تحدياً يصعب تجاهله.ولعل أهم تحدي يواجه اليوم مجتمعاتنا ما يصطلح عليه "بمجتمع المعرفة "وما يتطلبه من وسائل واليات وتصورات ونمط ثقافي كوني ، طغى على الواقع الثقافي الراهن بتجلياته وتحدياته ليغير مصير الأمم ومنحها وسائل الإنتاج والإكراه ، فمن لايملك العلم والمعرفة يصير في خبر التبعية شعوريا ولاشعوريا بالتعبير السيكولوجي لمدرسة التحليل النفسي .لذا أصبحنا نواجه اليوم مشكلة كبيرة يصطلح عليها " بالفجوة المعرفية " وهناك من يحلوا له تسميتها " بالفجوة الرقمية الكبيرة " نظرا للمساحة الشاسعة بين مجتمعات المعرفة والمجتمعات التي تكتفي باستهلاك هذا المعارف والانتاجات ، وهذه الفجوة مرتبطة بسوء التخطيط وغياب الحكامة الجيدة وانعدام التشجيع على البحت العلمي كما هو عليه الحال في المجتمعات المتقدمة وكذا عدم المواكبة والاعتراف أم بسبب منظومة القيم والأفكار يتساءل مصطفى محسن .

   يرى المحاضر بان هناك مسألة أخرى ذات أهمية قصوى خيمت على سلوكيات واستراتيجيات بناء الدولة وعملية التخطيط ورسم معالم التنمية الشاملة وهي اعتبار المواطن جزء من التنمية ، تمثلت في النظام الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها في أوروبا كبريطانيا لكونها تتحكم في سياسات واقتصاديات العالم ، والتي بدورها بدأت تواجه مشاكل جمة قد تسهم في نهاية إمبراطوريتها بسبب الأزمات المتتالية للاقتصاد العالمي وكثرة الإنفاق على الاستراتيجيات للتحكم في العالم وضمان ولائه لمخططاتها وهيمنتها في كل المجالات التجارية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية . 

لقد واجه دعاة الإصلاح  والتغيير والبناء ومخططو التنمية المحلية في قطرنا العربي تحديا إيديولوجيا فرضه الغرب وخيم بقوة على العلاقات الدولية بيننا وبينهم تمثل في إشاعة مظاهر الخوف من الإسلام " الإسلام فوبيا " إذ عملت منظمات وحكومات غربية على الهجوم وبقوة عبر وسائل الإعلام وغيرها على الديانة الإسلامية ومعتنقيها كالرسوم المسيئة للنبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والإساءة للرموز الدينية وإشاعة مظاهر الخوف عن طريق مقولة مكافحة الإرهاب وسن قوانين في كل المجتمعات العربية للقضاء على منابع الإرهاب واجثاتها وإلصاق مظاهر الترهيب والإرهاب بالإسلام . فكان هذا المعطى الجديد تحديا أخر واجه النخب العربية والإسلامية لرفع رهان التنمية في مثل هذه الضروف المكبلة ، الأمر نفسه بدا جليا بالنسبة للمفكرين والنخب المغربية التي بدورها حملت هموم هذا التحدي بالرغم من ضخامته وقساوته وعلو شانه وجسامة أهدافه وغاياته . لاننسى أيضا التخطيط الغربي الذي سعى جاهدا إلى قطع أوصال الهوية العربية والإسلامية وطمسها ، إذ عملت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا على زرع الكيان الإسرائيلي في عمق جغرافيتنا العربية ليكون جاسوسا وفتيلة الفتنة بين الأقطار العربية ، ومنحه مهمة تقسيم الوطن العربي وخلق القلاقل والصراعات بين حدود جغرافية بلداننا ، فسنت أمريكا مشاريع تقسيمية بصيغة استعمارية جديدة تحت مسمى" الشرق الأوسط الجديد "، في بداية تشكله كإستراتيجية وسياسة امبريالية مدمرة لتراثنا وهويتنا وحضارتنا العريقة الضاربة في عمق التاريخ بذريعة القضاء على الإرهاب وإشاعة روح السلام بين اليهود والمسلمين وتحقيق الأمن الغدائي والاقتصادي للبلدان الإسلامية . هذا المشروع سيصبح لاحقا تحت مسمى أخر "الشرق الأوسط الكبير" تلعب فيه إسرائيل الدور المحوري والاستراتيجي والاستخباراتي في المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، فلا صوت يعلوا على صوت إسرائيل .

   فكل التوجهات التنموية التي صاغها وخطط لها بعض النخب العربية كانت في الغالب ما تواجهها اكراهات هذه التحديات الخارجية فمن الصعب مواجهة هذه التناقضات الكبرى لاسيما واقتصادنا هش وضعيف وتعليمنا لا يرقى للتطلعات ولا ينتج إلا نخب مستهلكة ومعارف مقيدة ومكبلة لا تعدوا مجرد سلع فاسدة لاتسمن ولاتغني من جوع ، إذ بناء الدولة يقابله الاستعمار بأشكاله السياسية والثقافية والاقتصادية وهذا التناقض ثانويا ،أما التناقض الأساس فتجلى في العراقيل التي واجهت مفهوم بناء الدولة الوطنية والتخطيط الاستراتيجي لمسار التنمية Développement  والنمو Croissance  وبناء الإنسان ورسم معالم المستقبل بغية الوصول إلى معادلة المواطنة الكاملة .

   فالتنمية في قواميسنا المعجمية لمجتمعاتنا العربية لاتعدو كونها مجرد وضع إستراتيجية اقتصادية لتحقيق الرفاه والعيش الزهيد كما هو حاصل ببعض الدول العربية التي تعمر فوق أبار من الغاز والبترول . لذلك فالتنمية أصبحت رديفا للبعد الاقتصادي في غياب التوسعة الشاملة والمطلوبة لمفهوم التنمية بباقي أبعاده الكونية كالبعد السياسي والتربوي والتعليمي والأخلاقي والزراعي والصناعي والخدماتي والتكنولوجي ومجتمع المعرفة وغيرها من مظاهر وخصائص التنمية الشاملة والمستدامة ، فالشعار الذي رفعته النخب العربية كان عكس طموحاتها فالغاية ظلت هي تحقيق النمو لكونه غاية وليس وسيلة لتحقيق الإقلاع التنموي ، وبالتالي صار عنوانها " التغييب الاجتماعي " فواقعنا المتأزم وما صار عليه يجعلنا نرجع الدواعي والأسباب إلى خلل على مستوى المنظومة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الجامعة .والتبعية للمجتمع الغربي على كل الصعد والواجهات سبب رئيس وعامل مقنع لهذه الأزمة Crise  فالاستعمار بعاميتنا المغربية المأثورة "خرج من باب ودخل من النافذة " ، لاننكر أيضا تضارب المصالح الاستعمارية الامبريالية بشكله القديم والجديد أي صراع الأقطاب و الاستقطاب    الذي جعل منا ضحية لهذا التضارب والصراع الاستعماري على من يهيمن على من ومن يسود أكثر والذي كان نتاجا للعولمة بأبعادها وتحدياتها الخطيرة . 

    فمعضلة التنمية لا تعود إلى الجانب الاقتصادي وحسب بل هي متشعبة ومتعددة الأطراف والمسببات ،حملت معه المجتمعات العربية عبئاً ثقيلا وحملا لايستهان به وموروثا يوصف بالكارثي والعقيم من اجل إعادة صياغة مناهج جديدة لمقرراتنا التعليمية ،تنسجم وواقعنا الحضاري والثقافي والاقتصادي ، فالمدرسة رافده للتنمية والازدهار وذلك بمواجهة التحديات الجسيمة بالدعوة إلى تحقيق التنمية المستدامة المندمجة والشاملة في إطار مشروع مجتمعي متكامل الأركان ،من خلال العمل على إصلاح منظومة التربية والتكوين كقاطرة للتنمية والإصلاح في كل قطر من الأقطار العربية . من هنا جاءت فكرة " تنمية الموارد البشرية Développement des ressources humaines .

المحور الثالث: مفهوم التنمية وتطوره من البعد الاقتصادي إلى البعد الإنساني

   يسعى هذا المفهوم إلى التأكيد على العنصر البشري كمحرك وجوهر التنمية فمنذ السبعينيات من القرن الماضي  راج مفهوم الموارد البشرية ، لكن غالبا ما يطفوا في الواجهة البعد أو الرؤية الاقتصادية ، فالحديث كل الحديث اليوم حول التنمية البشرية بأبعادها المختلفة الإنسانية منها والفكرية والسياسية والاقتصادية ، فبعض البلدان العربية فضلت استخدام مفهوم التنمية الإنسانية عوض البشرية . فكل التقارير التي صدرت عن بعض الاجتماعات  الرسمية والوزارية في فترة مابين 2000 و 2006 تحمل في مجملها مفهوم التنمية الإنسانية وتعتمد عليه في صياغة تقاريرها وبياناتها وذلك بالإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بالمفهوم وحمولته الكونية والإنسانية ، فجل هذه التقارير كان هدفها الدعوة إلى الإصلاح والإسراع من وثيرته سواء في شقه السياسي أو التعليمي أو الصحي أو الزراعي وكل القطاعات الإنتاجية والخدماتية ، أي بعبارة اعم التنمية المستدامة . هذه الدعوات جاءت بعد تعثر كل المحاولات والمشاريع والمخططات التنموية التي تم إقرارها والتخطيط لها مسبقا . ومن بين هذه الدعوات وثائق مؤتمر تونس ووثائق الدول الثماني وغيرها من اللقاءات والمؤتمرات الدولية . وكل هذه التقارير والوثائق التي تبنتها القمم العربية والإسلامية جعلت من ثنائية المجتمع والإنسان ضرورة لتحقيق الإقلاع التنموي في كل المجالات الحيوية ولاسيما المجال التربوي والتعليمي ، واهم ما واجه  هذه التقارير من صعوبات ومعيقات  الفرق بين متطلبات الواقع الراهن وتحدياته والمطالب ذات الأولوية .والإصلاحات المستعجلة . وهنا يشير مصطفى محسن إلى كتابات المفكر العربي "منير شفيق" الذي ينظر إلى التنمية باعتبارها مشروعا مجتمعيا للتنمية الإنسانية في العالم العربي، وان هذه التنمية تواجهها مشكلة القياس والمعايير. 

مؤشرات التنمية البشرية Indicateurs des développement humaines

من بين هذه المؤشرات يذكر مصطفى محسن مايلي :
عيش حياة صحية من حيت أمد الحياة ( البعد الديمغرافي ) 
اكتساب المعرفة عبر آليات التربية والتكوين التي يعمل المجتمع على توفيرها ( البعد التربوي )
مستوى العيش المتمثل في الدخل الفردي للمواطن ( البعد الاقتصادي )
تقرير 2004 الذي يدعو إلى العمل على ممارسة  وإقرار المواثيق الدولية في حقوق الإنسان في بعدها الكوني بإقرار الحريات وإشاعة روحها في المجتمع ، فالإنسان الحر هو من يحقق التنمية لكون الحرية مصدرا من مصادر التنمية المستدامة . فإذا أردت تحقيق التنمية فل تمنح الشعوب حريتها.
      فالتنمية تقتضي الجمع بين السلع والبضع والخدمات والأفكار وكذا إنضاج القدرات البشرية وتعزيزها  بغية الانتفاع بها في الحياة الروحية والمادية ، وتحرير هذه القوى البشرية وضمان أمنها وتربية نشئتها وتكوينها وإعدادها للمستقبل من اجل الخلق والإبداع والتكيف الايجابي المنتفع والمتفاعل مع مستجدات التغير الاجتماعي والحضاري الشامل .هذا المعنى الشمولي للتنمية تستوعب وتحتوي وتشمل النمو وتتجاوزه في نفس الآن اقتصاديا وثقافيا وسياسيا.

    وهذا النمو قد يخطوا مراحل وفترات يزداد وينقص حسب العوامل المساعدة على ذلك ، فكل من التنمية والنمو عبارة عن صيرورة متكاملة الإطراف والخصائص وكل منها مرتبط بالأخر، فلا وجود لتنمية دون تخطيط ومعيار ثابت .فأمتنا العربية تعيش ظروفا تنموية مزرية ومأساوية وهذا لايخفى على احد لا الصديق ولا العدو لا القريب ولا الجار.وهنا نستحضر إحدى الاجتماعات الوزارية لوزراء الاقتصاد والتشغيل والتعليم العرب في إحدى القمم الوزارية التي عقدت من اجل وضع تخطيط وإستراتيجية تنموية للخروج من هذا الواقع الذي يزداد تأزما واضطرابا ككرة الثلج في الجليد ، إذ صرحوا بالإجماع على أن الوضع كارثي وبعبارة أدق وصفوا الوضعية التربوية بكونها منهارة وتعيش على الحضيض وفي تخبط غير مسبوق . فإذا كانت التربية هي أم المسببات للازمة الجامعة فهي بالفعل ليست مسؤولية الدولة وحدها وإنما مسؤولية مشركة بين كل القطاعات وكل شرائح المجتمع ،فهي إذن مسؤولية مجتمعية ، فهي راجعة بالأساس إلى تصور وتخطيط السياسات الناجحة ، والاهم في ذلك الاجرأة والتنزيل على ارض الواقع ، فهناك فشل للبرامج التربوية لكونها لاتتناغم إطلاقا مع الصيرورة والتخطيط العلمي الحكيم والرشيد ، فنحن كلنا يقول مصطفى محسن " منتوج هذه السياسة التربوية الفاشلة " وما وصلنا إليه في مجتمعنا المغربي لا يتناغم مع طموحنا ومكانتنا وواقعنا وتاريخنا .
   يردف قائلا مصطفى محسن وبكل ثقة بأننا لم يكن لدينا منظور إصلاحي ، فلقد أنفقنا على ميثاق التربية والتكوين الشيء الكثير وكلفنا جهدا ليس باليسير ، لكننا لم نحسن تطبيقه وأجراته فعليا وعلى ارض الواقع في حين بعض الدول المجاورة لجغرافيتنا استفادت منه وحققت نجاحا ، فالغاية كانت اجرأة الميثاق ، لكن المعضلة هي تجاهل التطبيق والتنزيل الفعلي للميثاق في منظومتنا التربوية . هنا يستحضر الأستاذ المحاضر الحوار الذي أجراه مع مجلة عالم التربية في احدى أعدادها حول الجودة في التربية والتكوين حيث  تحدث وبإسهام كبير عن أهمية الميثاق الذي كان الغاية منه أن يكون مصدرا ومرجعا تربويا وثقافيا وتعليميا وحضاريا ،لبناء الفرد والمجتمع . فكان المطلوب من المدرسة في إطار الميثاق" الجودة Qualité" فالميثاق الوطني للتربية والتكوين وُضع لرسم مسار تعليمي يمنح المدرسة مكانتها الطبيعية داخل المجتمع ويمنحها الجودة اللازمة ، وان تكون المدرسة جسر عبور لتكوين المجتمع المتعلم ، ولبناء المواطن Citoyenne  من خلال المكونات الحضارية والدينية والثقافية والاجتماعية ... هذه المواطنة يجب أن تكون مجادلة ومحاورة ومنفتحة على مايسمى بالمواطنة العالمية Citoyenne Universelle  ، فانطلاقا من المدرسة يجب علينا أن ندبر بين الخصوصية والعالمية أو الكونية . فالفرد أصبح يعيش ممزقا بين مرجعيتين الهويةIdentification /  العولمة Globalisation /. ولعل أهم بواعث العولمة تلك التي تأتي عن طريق وسائل الإعلام Medias  بمختلف تلاوينها وأشكالها ، فالمدرسة المغربية لم تستطع أن تجعل من المواطن محبا للمعرفة ومحبا للمدرسة مما جعل من الإنسان الفرد منفتحا على كل الاحتمالات والمسارات الشاذة والمنحرفة ، التي نشأت عن سوء التدبير . 

   مظاهر التخلف الأخلاقي والقيمي داخل مؤسساتنا التعليمية من عنف وتحرش واغتصاب وجرائم القتل وغيرها من الانحرافات الغير مسبوقة في مجتمعنا وكل هذا ناتج بالأساس عن سوء التسيير وضعف التواصل وانعدام الرؤية الواضحة والتخطيط الحكيم لإعادة الاعتبار إلى منظومتنا التربوية والتعليمية بالجملة والتفصيل . 

المحور الرابع : شروط إقامة وبناء مجتمع المعرفة

    إن الهيمنة الاقتصادية والمادي لم تعد المؤشر الأساس للهيمنة والقوة والسيطرة بل أصبحت الهيمنة المعرفية واحتكار العلم والإنتاج المعرفي ، فالصراع الآن حول من يملك المعلومة والمعرفة وإقامة مجتمع المعرفة .عبر إطلاق الحريات وتحقيق الحكامة الجيدة  La bonne   gouvernement ، ونشر التعليم بالجودة العالية  Qualité d’enseignement والاهتمام بالبحث العلمي Recherche Scientifique    ، وذلك بتحويل البحث العلمي إلى ثقافة وجعلها تقليد وغاية لبناء الحاضر والمستقبل التنموي للإنسان والمجتمع .   

  هنا يرى مصطفى محسن بأنه لبناء مجتمع العلم والمعرفة لا بد من جعل المشروع التربوي نواة صلبة "للمشروع المجتمعي" . والتجارب تؤكد لنا ذلك ماليزيا واندونيسيا مثالاً اللذين جمعا ما بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية والتنمية التعليمية هدفا مركزيا للمدرسة .


ختــــــامـــاً : 

    لقد عرف المجتمع المغربي شأنه شأن باقي دول العالم الثالث نمطا جديدا للمعرفة ، وحراكا مشهودا فجره شباب لازال يؤمن بغد أفضل ، يؤمن بالتغيير ويحلم بمجتمع متعلم ومنتج ، ويحصى بمكانة ومشاركة فعالة داخل هرم الدولة . يرسم مستقبلها ويخطط لنهضتها ، ويعمل على تحقيق النهوض والإقلاع الاقتصادي والتنموي في شتى المجالات . شباب تعلم في ظروف لايحسد عليها وفي مدرسة ينقصها كل شيء ،  وهؤلاء الشباب كسروا من خلال حراكهم التناقضات التي سادت في المجتمعات العربية بين التربية والتعليم ، الذي تنتقيه الأنظمة الحاكمة في دول العالم الثالث والعربية على الخصوص بما يتماشى مع مخططاتهم وسياساتهم وأحيانا إن لم نقل في الغالب استبداده للسلطة ، وبين الديكتاتورية والديمقراطية . فنجن في أمس الحاجة إلى القيام بثورة تربوية أخلاقية وتنموية.







عن الكاتب

sociomaroc

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

المعرفة