المعرفة المعرفة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

انحراف الشباب





إعداد : يوسف زروق 

طالب باحث في علم الإجتماع

مقدمة :
بدأت في السنوات الأخيرة تنتشر ظاهرة اجتماعية خطيرة في المجتمعات العربية عامة و المغرب بشكل خاص.
هذه الظاهرة التي تهدد بالأساس فئة الشباب آلا وهي ظاهرة الانحراف, هذه الأخيرة التي تجعل المجتمع على شفا حفرة, لأنها كما سبق الذكر تهدد الفئة التي من شانها أن تقود المجتمع نحو الأمام الأفضل.


- إذا فما معنى الانحراف؟
- ما الأسباب التي تجعل من الشباب أكثر عرضة للانحراف؟
- ما انعكاسات و مظاهر الانحراف داخل المجتمع؟
- ما الحلول المقترحة للحد من الانحراف ؟


 تعريف الانحراف  :


هو كل سلوك سيء أو ذميم يصدر من المراهق و يعود عليه بالضرر المباشر على نفسه و على غيره.
وفي علم الجريمة والعقاب
* تعريف الانحراف: "يعرفه –بول تابان  Tappan. Paul- (1947) بأنه "مجموع المخالفات المرتكبة، والمشهر بها، والمتابعة، والمعاقب عليها، ولا يعتبر جانحا أو مجرما إلا من اعترفت له بذلك المحكمة"، كما يرى أيضا أنه "أي فعل أو نوع من السلوك، أو موقف يمكن أن يعرض أمره على المحكمة ويصدر فيه حكم قضائي"، كما يمثل الانحراف "الفعل الذي يضر بمصلحة الجماعة أو المجتمع، ويهدد كيانه، نتيجة عدم التزام من يأتيه بالقيم والمعايير التي تطبق في المجتمع، والتي تقيمها الجماعة وتحرص للحفاظ عليها. ومعنى ذلك أن الانحراف يتضمن أنماط من السلوك المضاد للمجتمع، ويؤدي إلى الإضرار بالتنظيم الاجتماعي"، من كل ذلك يمكن إعطاء تعريف للانحراف على أنه "اعتداء على قوانين المجتمع، ونظمه بسلوك يعبر عن اضطراب الشخصية (اجتماعيا، ونفسيا)، يدفع إلى الفعل اللاسوي، ويقضي بمعاقبة مرتكبه، ليتم إيداعه بفعل سلوكه ذاك داخل مؤسسة إعادة التربية لإعادة تأهيله".


ينقسم الإنحراف عند المراهق إلى قسمين 


إنحراف قيمي : السلوك الذي يصدر من المراهق ، يعود عليه بالضرر أو إهدار لقيمة الوقت و الجهد و المال و هو ناتج من فكرة و قناعة داخلية بأداء هذا السلوك
إنحراف أخلاقي : السلوك الذي يصدر من المراهق يخدش الحياء أو يعود بالضرر المباشر على الفرد نفسه أو غيره سواء بالإعتداء المباشر أو من خلال التحريض.
الفرق بين الإنحرافين : الإنحراف القيمي أكثر خطورة ، لأنه يحمل مفاهيم وقناعات ينتج منها سلوك ، بينما الإنحراف الأخلاقي قد يكون عن هوى في النفس.الانحراف لفظ صعب التعريف لكن عموما يمكن القول انه الخروج عن الطريق السوي و الخروج أيضا عن كل ما هو مألوف ومعتاد فالانحراف داء يلقي بسلاحه خاصة في فئة الشباب إذ كلنا نعلم أن هذه الفئة يقوم عليها بناء المجتمع أو هدمه و كذا تطور المجتمع أو تأخره في النمو و الصيرورة .


العوامل والأسباب التي تؤدي إلى انحراف الشباب وزيفهم وفساد أخلاقهم :


1 -  الفقر الذي يخيم على بعض البيوت : مما يجعل الولد يلجأ إلى مغادرة البيت بحثاً عن الأسباب وسعياً وراء الرزق فتتلقفه أيدي السوء والجريمة .
2 - النزاع والشقاق بين الآباء والأمهات : فالولد حين يفتح في البيت عينيه ويرى ظاهر الخصومة سيترك حتماً جو البيت القاتم ويهرب ليفتش عن رفاق يقضي معهم جل وقته
3 - حالات الطلاق وما يصحبها من الفقر: فالولد عندما يفتح على الدنيا عينيه ولا يجد الأم التي تحنو عليه ولا الأب الذي يقوم على أمره ويرعاه فإنه لاشك سيندفع نحو الجريمة ويتربى على الفساد والانحراف لاسيما عند زواج الأم
4 - الفراغ الذي يتحكم في الأطفال والمراهقين : من المعلوم أن الولد منذو نشأته مولع باللعب فإنه لم ييسر لهم أماكن اللعب واللهو البرئ ومسابح للتدريب والتعليم فإنهم سيختلطون غالباً بقرناء سوء يؤدي حتماً إلى شقاقهم وانحرافهم
5 - الخلطاء الفاسدين ورفاق السوء : لاسيما إن كان الولد بليد الذكاء ضعيف العقيدة متمتع الأخلاق فسرعان ما يتأثر بمصاحبة الأشرار ويكتسب منهم أحط العادات والأخلاق
6 - سوء معاملة الأبوين : من الأمور التي يكاد يجمع علماء التربية عليها أن الولد إذا عومل من قبل ابويه ومربية المعاملة القاسية وأدب من قبلهم بالضرب الشديد والتوبيخ القارع فان ردود الفعل ستظهر في سلوكه وخلقة مما قد يؤول به الأمر إلى ترك البيت نهائياً للتخلص مما يعانيه من القسوة والمعاملة الأليمة
7 - مشاهدتهم أفلام الجريمة والجنس : في القنوات الفضائية الفاضحة والتي تبث السم الزعاف وأيضاً من خلال ساحات الانترنت التي جعلت من عالمنا كقرية صغيرة وغيرها من الرويات الهابطة والمجلات الماجنة والقصص المثيرة ومن المعلوم بداهة أن الولد رغم اكتمال عقلة لاتزال هذه الصورة تنطبع في ذهنه وتتأصل في مخيلته هذه المشاهد فيعمد حتماً إلى محاكاتها وتقليدها بحيث لا ينفع معه نصح الآباء أو توجيه المربين والمعلمين
8 - انتشار البطالة في المجتمع : من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى انحراف الولد انتشار البطالة بين أفراد الأمة فالأب الذي لم تتيسر له سبل العمل ولم يجد من المال ما يسد به جوعته وجوعة أهله وأولاده فإن الأسرة بأفرادها ستتعرض للتشرد والضياع وإن الأولاد سيدرجون نحو الانحراف والإجرام
9 - تخلي الأبوين عن تربية الولد : إذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغاله مع معارفها وصديقتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها وإذا أهمل الأب مسؤولية التوجيه والتربية نحو أولاده لانصرافه وقت الفراغ إلى اللهو مع الأصحاب والخلان فلاشك أن الأبناء سينشؤون نشأة اليتامى ويعيشون عيشة المتشردين .


فمرحلة الشباب مرحلة النشاط والحيوية والرغبة والإرادة هده الصفات التي تكون ايجابية و مميزة لمرحلة الشباب إلا أنها تنقلب إلى العكس تماما إذا حلت مجموعة من الأسباب والعوائق ولعل ابرز هذه الأسباب هناك الشعور بالفراغ إذ انه وباء لتحطيم العقل والفكر والطاقات الجسمية يجعل من النفس نفسا مكبوتة بين قضبان الوحدة .مما يجعل هذه النفس محاصرة بين الوساوس والأفكار الرديئة والمنحطة ويبقى الخيار المناسب بالنسبة للشباب الذين يشعرون بأنهم وصلوا إلى هذا الحد من الفراغ أن يقوموا بالقراءة المتكررة والدائمة أو يكتبون أشياء تعبر عن إرادة النفس في الخروج من سجن الفراغ .كما نجد مشكل البعد بين الشباب وكبار السن سواء في العائلة أو غيرها فالكبار يقـفون عاجزين أمام الشباب المنحرفين إذ لا يحاولون محاورتهم و الاستماع إلى ما يعانونه ويكتفون فقط بالنظر إليهم بنظرة احتقار وإذلال إذ من الواجب على الكبار الإحساس بالمسؤولية الكاملة اتجاه الشباب و محاولة محاورتهم وكسبهم كأصدقاء حتى يتمكن الشاب المنحرف من الثقة بهم والعمل بنصائحهم.


فالصداقة أيضا تلعب دورها إذ أن الصديق المتزن والمتحلي بصفات أخلاقية حميدة لابد أن يزرعها في من يرافقه والعكس صحيح لذلك على الشباب أن يكونوا على حيطة كبيرة وهم يقومون باختيار الصديق فلا ينبغي اختياره على حسن مظهره أو من اجل السيارة التي يركبها_بل كما سبق الذكر فالصديق السوي هو من يمتلك القيم والأخلاق لقول النبي (ص)"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".


و هناك سبب لابد من التطرق إليه الذي يتجنبه العديد من الباحثين والدارسين ألا وهو غياب الوازع الديني في نفسية و سلوكات شباب هذا العصر-فمصادر المعرفة في وقتنا الراهن متعددة و متنوعة ولعل هذا التنوع يجعل من الشخص الضعيف الإيمان الميل إلى ما يفسد العقل ويجعله يحبذ الظلام على النور فكثير من الشباب اليوم يعتقدون على أن الإسلام فيه تقييد للحريات وكبث للطاقات فيبتعدون عنه ويعتبرونه دينا رجعيا يأخذ بيد أهله إلى الوراء ,بالإضافة إلى هذه الأسباب نفتح الباب لذكر المزيد وعلى رأسها غياب الرقابة الأبوية إذ أن اغلب الآباء يعتقدون انه بتحقيقهم المال والثروة يكونون بذلك يحققون مستقبل أبنائهم فحين أننا نجد أن الطريق الصحيح هو تربية الأبناء على القيم والأخلاق الحميدة وتعليمهم يقظة الضمير لان المادة زائلة و القيم أبدية فضلا عن ذلك نجد أن اغلب الشباب يعانون من مشكل يعتبره العامة مشكل العصر ألا وهو البطالة هذه الأخيرة التي جعلت من شاب في 25او26من عمره وكأنه طفل في5او6من عمره لان الأب هو المكلف بالطفل وكذلك بالشاب ولعل هذا واقع مجتمعنا المغربي خاصة والمجتمعات العربية عامة. إذ نجد أسرة مثلا تتكون من 6 أفراد الأب يكون وحده مسؤول عن باقي الأفراد مما يجعل أن اغلب الأسر تعاني من فقر وباس شديد كما نجد أسباب مرتبطة بموجة الإعلام ووسائل الاتصال هذه الأخيرة التي لا تكف عن بث سموم الانحراف فهي بطريقة أو بأخرى تقوم بزرع سلوكات لا علاقة للمجتمعات العربية بها سواء عن طريق عرض بعض الأفلام الخليعة التي لا تخلوا من مشاهد في قمة الفساد وبرامج غير أخلاقية الشئ الذي يؤثر لا محالة على سلوك الأفراد ,و كذلك على بناء شخصيتهم .كما نجد التقليد الأعمى للغرب والمتجلي في كل نواحي حياتنا اليومية وهذا التقليد راجع إلي اعتبار الغرب مصدر الحضارة والرقي والازدهار وإنها أيضا مصدر الحرية الكاملة للشخص دون أن ينتبهوا للسلبيات التي يخلفها هذا التقليد -فالشاب العربي عامة بإمكانه أن يحقق ما لم يستطيع أن يحققه الشاب الغربي إذا غابت هذه الأسباب التي سبق ذكرها وبإمكانه أن يسير بالعرب إلى الأمام الأفضل والأحسن .


ارجوا أن أكون قد تطرقت إلي كل الأسباب التي تؤدي بالشباب إلى الانحراف والابتعاد عن الواقع-نعم الواقع لأننا إذا حاولنا أن نتحاور مع احد المنحرفين سواء من ذكور أو إناث فسنجدهم يتحدثون بطريقة بعيدة عن الواقع الذي نعيشه إذ يكون تفكيرهم كله تفكير خيالي لا يمكن تطبيقه على أرضية الواقع لذلك إن صح يمكن تشبيههم بالطيور التي فقدت أجنحتها.


بعد عرض كل هذه الأسباب لا بد من البحث حول انعكاسات الانحراف على المجتمع وعلى الشباب أيضا-فكما سبقت الإشارة أن الشباب محرك أساسي لبناء المجتمع وهو نواة ورمز للتقدم والسير نحو الأمام فهو الذي يحمل مشعل الازدهار فلو صلح الشباب صلح المجتمع ولو فسد الشباب فسد المجتمع فكنتيجة مباشرة للانحراف تدهور المجتمع وتأخره في ركب موجة التطور والرقي إذ يصبح مجتمع يعم عليه الجمود وقلة الحركة ,أما الشاب المنحرف فيصبح رمز الفساد ويفقد بذلك احترام الصغير قبل الكبير ولعلنا إذا حاولنا ذكر مظاهر انحراف الشباب بالمجتمع المغربي خاصة سنجدها كثيرة ومتعددة وعلى رأسها الإدمان علي المخدرات إذ يسجل ارتفاع مهوس لهذه الظاهرة حيث يتم الترويج لها بطرق مختلفة سواء أمام أبواب الاعداديات أو الثناويات,كما نلاحظ مدى تهاون شبابنا اليوم بالشعائر التعبدية وعلى رأسها الصلاة كما نسجل أيضا التمييع وعدم الأمانة والصدق في الكلام مما يجعل من الشباب أكثر تهاونا واقل جدية-ولعل هذا متمثل في تضييع الوقت وعدم تقدير قيمته وأيضا انتشار الفواحش كالزنا واللواط ,أضف إلى ذلك التشبه بأهل الكفر في كل نواحي حياتهم فضلاعن ذلك سوء الأخلاق والقيم وعدم احترام الآخر كل هذه المظاهر لا تمثل إلا نسبة قليلة من مظاهر الانحراف بالمجتمع.
فبعد تعرفنا على معنى الانحراف و أسبابه وانعكاساته داخل المجتمع وأيضا عرض بعض مظاهره, ,يبقى هناك سؤال يفرض نفسه المتمثل في إمكانية إبراز بعض الحلول التي ينبغي الالتزام بها أو يبعضها من اجل الحد من الانحراف أو بالأحرى التقليص من نسبة المنحرفين.


الحلول المقترحة :  


فالانحراف أصبح اليوم من المواضيع الشائكة التي تزرع القلق في بال الكثير من المجتمعات لذلك من الضروري البحث عن حلول سريعة لهذا الوباء الذي حل بالمجتمعات دون سبق انظار , ولعل من بين الحلول التي يمكن اعتبارها ناجحة نذكر ما يلي ,أولا حرص الآباء على تربية أبنائهم تربية قائمة على القيم والأخلاق من اجل تأسيس بنية تحتية صلبة قادرة على مواجهة المخاطر الخارجية وتكسير ذلك الجسر الحديدي بين الآباء والأبناء باعتماد الحوار ,ولكي تكون هذه التربية ناجحة يجب أن تكون قائمة على ما يقتضيه ديننا الحنيف لان كل من عمر قلبه بالإسلام فلن يجد الانحراف مدخل للوصول إليه كما نحبذ أن يتجه الشاب في هذه المرحلة إلى الكتابة والإكثار من القراءة قصد اغناء النفس ومن اجل تفريغ كل ما يعيقه ويقف عقبة في وجهه ,أيضا يجب الإكثار من الشعائر الدينية خاصة الصلاة والصوم فخير الشباب من تربى على الإسلام لأنه لا يفتح مجالا لداء الانحراف أضف إلى ذلك الحرص على التقليل من الأوقات الفارغة فمن الأفضل الانشغال إما بأمور الدراسة أو الرياضة أو المشاركة في احد الجمعيات الهادفة أو ما شابه ذلك .


فهذه الحلول يمكن تطبيقها بقليل من العزم والإرادة من الشخص المنحرف ,و هناك بعض الحلول المرتبطة بالدولة إذ على هذه الأخيرة أن توفر بنية مناسبة من اجل شباب أفضل, وذلك إما ببناء معاهد رياضية أو ثقافية أو غيرها ,الشئ الذي سينعكس ايجابيا على الشباب وعلى المجتمع .كما ينبغي أيضا للدولة أن تقوم بمضاعفة نشاطها من اجل توفير نسب الشغل والتقليص من البطالة من اجل أن تنقد الشباب من داء الانحراف -كما يجب الحرص من اجل انتشار إعلام وصحافة ملتزمة بما هو ثقافي وعلمي ,وأيضا الحرص على جعل فئة الشباب فئة فعالة في المجتمع من خلال إتاحة لهم الفرصة للتعبير عن مواقفهم في مختلف المواضيع سواء تعلق الأمر بأمور اجتماعية أو سياسية أو غيرها.



ختامـــــاً:


وخلاصة القول فموضوع انحراف الشباب يطرح أكثر من رأي أو موقف وقد حاولت في هذا العرض أن أحيط بالجوانب الحساسة بدا بتعريف هذه الظاهرة و مرورا بعرض أسباب و انعكاسات و مظاهر الانحراف بالمجتمع وانتهاء بتقديم بعض الحلول التي من الممكن أن تقلل من نسبة الانحراف داخل المجتمع.
فإلى أي حد يمكن فيه الحديث عن مجتمع بدون انحراف ؟



عن الكاتب

sociomaroc

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

المعرفة