المعرفة المعرفة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أسهل منهجية لتحليل النص الفلسفي

 


·        نموذج تطبيقي

نص فلسفي 

- وجود الغير والعلاقة معه

 

تتحدد الوضعية الأنطولوجية للإنسان في بعد الوجود الفردي، حيث يوجد كذات فردية (شخص) حاملة لوعي خاص ومتفرّد. وبعد الوجود التفاعلي، حيث تتقاسم هذه الذات وضعها الوجودي مع ذوات أخرى لها نفس الخصائص، يُنظر إليها من موقع الأنا كغير. هذا الوجود المشترك بين الأنا والغير، طرح العديد من القضايا الإشكالية لعل أبرزها قضية وجود الغير في علاقته بوجود الأنا؛ أي، هل للأنا من حيث هي ذات القدرة على الوعي بذاتها وإدراك بنيات وجودها في معزل عن الغير أم أن الغير هو شرط أساسي لوجودها واستمرار وجودها؟ هذه هي المفارقة التي يضعنا أمامها النص في بعده المعرفي الذي يحيل على المجال النظري لمجال الوضع البشري، وبالتحديد ضمن مفهوم الغير. أما في بعده الإشكالي فهو يحيلنا على مجموعة من التساؤلات يمكن صياغتها على النحو التالي: كيف تتحدد العلاقة الوجودية بين الأنا والغير؟ هل وجود الغير ضروري لوجود الأنا أم هو وجود افتراضي ومحتمل؟ ما الذي يمكن أن يجعل من وجود الغير يكتسي طابع الضرورة؟ وهل يستطيع الفرد أن يحيا منعزلا؟ وهل بإمكان الأنا أن تحقق وعيها دونما حاجة الى الغير؟ ما هي الأبعاد والرهانات الكبرى لإشكالية وجود الغير؟

يعرض النص أطروحة أساسية مفادها أن "وجود الغير ضروري ومكمل بالنسبة لوجود الأنا، ذلك أن لا إنسان من دون مجتمع أنساني". ولعرض هذه الأطروحة استند صاحب النص إلى جملة من القضايا والأفكار والمفاهيم التي تأخذ نسقا حجاجيا متماسكا؛ فهو انطلق من اعتبار مسألة الغير مسالة حتمية على الإنسان مواجهتها، خاصة أنها ليست بالقضية الجديدة، وإنما تحيلنا على البعد التاريخي للوجود المشترك الذي ينتج عنه اجتماعية الإنسان. قبل أن ينتقل إلى عرض نموذجين للوجود المشترك مع الغير: نموذج يمكن وصفه بالإيجابي يتحدد فيه الغير كتابع تربطنا به علاقة عضوية وطبيعية، ونموذج يمكن وصفه بالسلبي يتحدد فيه الغير كخصم ومنافس يهدد وجود الأنا. ولتعزيز هذه الفكرة، أضاف فكرة ثانية مفادها أن الإنسان كفرد يكون ضعيفا أمام الطبيعة، ويكون عاجزا عن ضمان استمراريته مما يجعل مسالة الوجود مع الغير ضرورة حيوية تضمن للإنسان البقاء. هذه الأطروحة تضعنا أمام مفهومين مركزيين: مفهوم "الغير" باعتباره آخر ألانا منظور إليه بوصفه ذات واعية، أي انه فرد إنساني يحمل مجمل خصائص الأنا. ومفهوم "المجتمع" الذي يمكن تعريفه بأنه مجموعة من الأفراد توجد بينهم علاقات منظمة ومصالح أو خدمات متبادلة. وأطروحة النص تلخص العلاقة بين المفهومين؛ ذلك أن لا إنسان (فرد) من دون مجتمع إنساني (الغير). ولتدعيم هذه الأطروحة استند صاحب النص إلى بنية حجاجية بسيطة وواقعية من خلال استدلاله ببعض "الأمثلة" التي تُبرز حالة أو ضرورة الوجود المشترك بين الأنا والغير (الزواج/ العائلة/ الوطنية/المنافسة / الخصومة ...) فضلا عن توظيفه لبعض الروابط اللغوية والمنطقية كمؤشرات على البنية الحجاجية لعل أبرزها روابط النفي الذي يهدف من خلالها إلى دحض فكرة وجود إنسان من دون مجتمع إنساني...........

 

من هنا يمكن أن نحدد الأهمية الفلسفية للنص في كونه يعالج واحد من أهم إشكالات الوجود التفاعلي للإنسان (إشكال وجود الغير). أما قيمته فتتجلى في بعده الإنساني المحض حيث سمح لنا أن ننظر إلى الوجود الإنساني كوجود مركب يستلزم حضور الغير كشرط لبقاء واستمرارية الإنسانية جمعاء. ولئن كانت هذه هي قيمة الأطروحة يبدو أن صاحب النص قد تطرق إلى مسالة ضرورة وجود الغير انطلاقا من رؤية طبيعية نفسية أكثر منها فلسفية، من هنا يمكن إعطاء رؤية أخرى للإشكالية من خلال التساؤل التالي: هل الوعي بالذات وبالوجود يستلزم ضرورة حضور الغير أم أن الذات تعي ذاتها ووجودها بمعزل عنه؟

كجواب عن هذا التساؤل المفصلي، وقصد إعطاء أبعاد فلسفية لهذه القضية، نستحضر موقف الفلسفة الوجودية مع جان بول سارتر J.P.Sarter الذي يرى أن وجود الغير ضروري ومكمل لوعي الأنا، فالغير هو الوسط الذي لا غنى عنه. في إطار تقديمه لهذه الأطروحة استدل سارتر بمثال الخجل؛ لان الخجل في جوهره اعتراف بأن تكون الذات كما يراه الغير. وهذه التجربة تُبرز أن الوضعية الوجودية تستلزم بالضرورة حضور الغير كمكمل لوعي الأنا. وعلى الرغم من هذا الجانب الايجابي، فإن هناك جانبا سلبيا حين تصبح حرية الذات مهددة أمام نظرة الغير، خاصة وأن الحرية في الفلسفة الوجودية هي جوهر الوجود الإنساني (الوجود يسبق الماهية). فما كان للانا أن يشعر بالخجل لو لم يدرك إدراكا كليا انه أمام أمام ذات واعية / أمام الغير تحوله بنظرتها إلى موضوع/شيء. هذا الحضور هو الذي يمكّن الأنا من الوعي بذاته وبوجوده "فانا أخجل من نفسي من حيث كوني أتبدى للغير."

وعلى خلاف ما ذهب إليه كل من صاحب النص وجون بول سارتر، فإن الفيلسوف الفرنسي ديكارت Descartes سيعتبر أن وجود الغير ليس ضروريا لتحقيق وعي الذات واثبات وجودها، ومنطلقه في هذا هو تحليل تجربة "الشك"؛ "بدأت أعرف نفسي في الوقت الذي بدأت فيه أشك". لأن الذات (الأنا المفكر) تستطيع أن تحقق وعيها بوجودها دونما حاجة إلى وساطة الغير أو أي عنصر حسي آخر، فألانا عند ديكارت هي جوهر مفكر، خاصيته التفكير الذي يثبت وجود الأنا ووجود الغير بالاعتماد على استدلالات وبراهين عقلية خالصة. فألانا يظل في غنى كامل وتام عن وجود الغير من حيث هو يعيش انغلاقا ذاتيا غير خاضع لأي سلطة. يقول ديكارت: أنا موجود، وأعرف أني موجود، لأني أشك".

نخلص من خلال هذا العرض عبر لحظتي التحليل والمناقشة إلى أن صاحب النص ينطلق من التأكيد على اجتماعية الكائن الإنساني، وبذلك تكون الذات محكومة بالانفتاح على الغير والتعايش معه مادامت الوضعية الوجودية مشتركة بينهما، وهو ما عززه سارتر، ذلك أن الغير هو الوسيط الأساسي لوعي الأنا بكل بنيات وجودها. على الرغم من أن هذا لا يقلل من قيمة الموقف الديكارتي الذي جعل الذات المفكرة منطلقا أساسيا وحاسما لتحقيق هذا الوعي من دون الحاجة إلى وساطة الغير. وهذا ما يجعلنا نقف عند واحد من أهم الرهانات الفلسفية التي تناقش البعد العلائقي والتفاعلي للإنسان وتقلبه من نواحي فلسفية وإشكالية مختلفة. ومن وجهة نظري الشخصية فانا لا اختلف مع صاحب النص في كون وجود الأنا محكوم بالوجود مع الغير، ومن اجله، وأضيف أن الإنسان إنسان لأنه يوجد داخل جماعته الإنسانية (الآخرين من الناس) التي يكتسب عبرها معظم خصائصه وصفاته الجوهرية من لغة وثقافة وسلوك، التي تضفي على وجوده قيما خاصة تسمو به عن كل الموجودات. 

عن الكاتب

sociomaroc

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

المعرفة