قراءة في كتاب" في سوسيولوجيا الخبرة والخبراء" للباحث نور الدين لشكر

 قراءة في كتاب في سوسيولوجيا الخبرة والخبراء 

للباحث نور الدين لشكر

الباحثة: مينة الدوادي 

مع التقدم السريع للعلوم والتكنولوجيا أصبح العالم أكثر ترابطا وتعقيدا، مما أدى الى الحاجة الملحة للخبرة كعنصر مهم لفهم المجتمعات، فلم تعد المعرفة العلمية وحدها كفيلة للإجابة عن عدة تساؤلات، بل أصبح من الضروري الاستناد الى خبرات متنوعة، التي كَثُر الحديث عنها في الآونة الأخيرة. لطالما شاهدنا أو سمعنا عبر القنوات أو المواقع الإخبارية عن خبراء بمجالات متعددة كما وقع أيام الحجر الصحي بفترة كورونا. فما المقصود بالخبرة؟ ومن هو الخبير؟ ما الفرق بين الخبير، والعالم، والمستشار، والمثقف؟

من بين الكتابات عن الخبرة نجد الباحث" نور الدين لشكر" بكتابه في سوسيولوجيا الخبرة والخبراء. بدأ الباحث تقديم كتابه بقولة إقليدس لبطليموس:" لا يوجد طريق ملكي إلى الهندسة" وبناء على هذا المنوال، يمكن القول إنه ليس واضحا أن نجد طريقا ملكي للخبرة، التي أصبحت ضرورة قصوى في الوقت الراهن لاعتبارات عديدة. ومع ندرة الأبحاث والدراسات العربية خصوصا عن هذا الموضوع، حمل الباحث على عاتقه اشعال شمعة أولى بالساحة المغربية والعربية، واضعا أسسا للمفهوم ودلالته.

تطرق الباحث الى مفهوم الخبرة، الذي عرف نقاشا وتدخلا من مجموعة من الحقول المعرفية: إنسانية - اجتماعية: كالسوسيولوجيا، الاقتصاد، القانون، والعلوم السياسية والإدارة. فهو المفهوم الذي ينفتح على معارف متعددة: كفاءة، حرفية، مهارة، فن، هو مفهوم مركب إذن.

عرَّف الباحث الخبرة لغويا بكونها "المعرفة والمهارة التي يكتسبها الشخص من عمله الحالي والسابق"، وهي "العلم بحقيقة الشيء، "الخبرة هي الإجراء الذي يتم من خلاله تكليف خبير أو أكثر بمهمة إبداء الرأي حول عناصر نزاع خاصة في الجانب التقنية. أي امتلاك الخبير مهارة كبيرة من خلال مهنة أو تخصص ما.

تطرق الباحث لتعريف الخبرة فلسفيا باعتبارها تعدد التجارب والاختبار والتجريب. فالخبير يقدم تفسيرا للواقع مستندا على خبرته المتصلة بذلك الواقع، فهي تجربة خامة وعامة تتحقق عند كل إنسان من خلال تراكم التجارب الحسية لديه. في حين خَلُصَ الباحث إلى غياب المفهوم عن دائرة الاهتمام في المعاجم السوسيولوجية المختصة الكلاسيكية المتداولة، وتداخله مع مفهوم التجربة expérience وليس الحديث عن الخبرة. Expertise "زيجمونت باومان" عالم اجتماع بولندي ،قام بتحديد للمفهومين أقر ان الخبرة والتجربة يختلفان اختلافا كبيرا على المستوى الإبستمولوجي: فالتجربة هي تفاعل مع العالم من خلال التعايش مع أحداثه في الحياة اليومية، كل ما يعيشه الفاعل في سياق محيطه. والخبرة هي كل ما يحتك به الفاعل في محيطه أي أنها تأتي من داخل الشخص تمثل أفكاره الخاصة.

عرض الباحث تعريفا للخبرة في مجالات مختلفة: في الأدب مثلا الذي اعتبر الخبرة بكونها مهارة سالبة للمشاعر والخيال واعتبار الخبير رجل تقني مجرد من المشاعر، وهذا ما يجرده من خاصية الإبداع، فيصبح نمطيا وساذجا. أما في الفيزيولوجيا فيتم تفسير الخبرة بحدوث ارتباطات عصبية جديدة بالدماغ التي تؤدي إلى القدرة على الإدراك والتذكر والتخيل. في حين حددت السيكولوجيا المفهوم بحدوث تفاعلات بين خبرات سابقة وبين ما يستقبله المرء من مثيرات مستمدة من الواقع الخارجي.

الخبير مقابل المثقف والمستشار والباحث والعالم:

تطرق الكاتب لمجموعة من المفاهيم القريبة من مفهوم الخبير

المستشار: يقدم معرفة معينة لكنه يعتبر ممارسا مهنيا praticien وله علاقة تعاقدية مع الجهة الراعية، ويعتبر التعاقد شرطا لتحقق خبرة الخبير لأنها حصيلة بناء ذاتي للخبير، في حين أن الاستشارة ترتبط بالمؤسسة الراعية لها. إن معرفة المستشار عامة ومتنوعة. تسمح له بتقديم الاستشارة في تخصصات مختلفة، في حين معرفة الخبير دقيقة مختصة في مسألة بعينها لهذا تكون مدة التعاقد بين المؤسسات والمستشارين أطول نسبيا من العقدة مع الخبير. لأن مهمة الخبير ظرفية ومحددة في حين مهمة المستشار طويلة الأمد وقد يكون عضوا في مجلس إدارة عمومية أو خاصة.

الباحث: ينتج المعرفة ويمتلك الإمكانات المعرفية والمنهجية والمفاهيمية لذلك، للباحث أفق واسع واختصاص ومجال معرفي واضح له استقلاليته في اختيار الموضوع وتحديد اشكاليته ومنهجية بحثه الشيء الذي جعل "جاك رودريكيز" (Jacques Rodriguez) يعتبر أن الباحث "يرافقه طموح نظري لا يحضر عند الخبير.

المثقف: شخص لديه معرفة واسعة في مختلف المجالات كالفلسفة، التاريخ، السياسة، وله قدرة على التحليل والتفكير النقدي ويستطيع التأثير على الرأي العام أي ريساهم في تشكيل الوعي وتوجيه الفكر العام

الخبير: قام الباحث بعملية تركيب بين الحكم الذي قدمه السيميولوجي المغربي" سعيد بن كراد "من ناحية الدراسات الأدبية النقدية عن الخبرة وبين "آلان دونو". فإذا كان الأول يعتبر أن الخبرة ليست سوى تقدير محايد لوضع سياسي أو اجتماعي أو هي الإحاطة بحالة اقتصادية مرتبطة باللحظة أو الأفق القريب. فالخبير إذن يوجد خارج الشعب والطبقات وخارج الإيديولوجيا والسياسة وهو ينتمي للسلطة لأنه يجسد مؤسسات الدولة، الخبراء لا يقولون إلا ما يرضي الجهة التي تطلب خبرتهم. أي أن الخبير له هوية مؤسساتية ويمثل السلطة في مقابل المثقف الحر. نلاحظ إذا أن سعيد بن جراد قدم حكما قيميا ولم يقدم تفسيرا، كالذي قدمه آلان دونو الذي اعتبر ظهور الخبير مرتبط بظهور المؤسسات وطبيعة العلاقات.

فالخبير إذن يلعب دور الوسيط بين ما هو فكري وبين ما هو اجتماعي، ولا يقتصر دوره على تحليل وفهم الظواهر، وإنما يساهم في صنعها، وهو يقدم خبرته بناء على طلب صانعي القرار. فدور الخبير إذن يتجلى في تهيئ شروط التدخل للسلطة إذن فهو يكتشف الموضوعات الاجتماعية كالفقر، والانتحار، الهدر المدرسي وذلك من أجل تقديم حلول عملية متكاملة لفائدة السياسيين وصناع القرار عبر إعادة صياغة المشكلة. ونحن لا نُولد خبراء، بل نصير كذلك. كما أن الخبرة تُعتَمَد وتُسحَب.

بعد الطلب الذي عرفته الخبرة في الآونة الأخيرة، جعل العديد من الكتابات السوسيولوجيا الإنجليزية والفرنسية، تشير إلى أن هناك خشية من تمييع المفهوم. وأصبح يطلق صفة خبير على كل من هب ودب خاصة في الإعلام دون التحقق من صفة الخبير. فنجد هناك خبراء حقيقيون وخبراء مدعون يحملون صفة خبير كيافطة.

ماذا يعني أن تكون خبيرا؟ يفترض الحديث عن الخبرة سوسيولوجيا النظر إليها وفق حدود معينة، فهناك من يشكك في شرعية عدد من الخبراء غير المختصين وغير المعتمدين. كما نجد وجود جدل حول ماهيته مقومات خبرات المختصين، وهناك من جهة ثالثة حاجة إلى تقييم تصورات ومواقف باحثين غير خبراء من الخبرة. فالخبير يستمد كفاءته من التمكن من معرفة محددة وتجربة خاصة. كما تتميز الخبرات بطابعها المؤقت والغير المستقر نظرا لارتباطها بصنع القرار، أو كما جاء في رأي" نجيب اكصبي" بكونها إنضاج القرار قصد التدخل.

معايير تحديد الخبير طرح "هاري كولينيس"Harry M.collins سؤالا ماذا يعني أن تكون خبيرا؟ يمتلك الخبير معرفة ضمنية يصعب فحصها من طرف لجان تقنية لاختيار الخبراء لتكليفهم بمهام أي من يختار الخبراء. فالخبرة عصية على التحديد مفهوما ومجالا، كما تطرق لذلك الباحث إضافة الى وجود مجالات عديدة للخبرة كالخبرة القضائية والتقنية وغيرها. ويتجلى دور الخبير في وضع تقارير الخبرة في مسألة ما، بناء على طلب جهة معينة من أجل اتخاذ القرار، وهكذا يمكن القول إن الخبرة لصيقة بالسلطة وقوة القرار. لكن الخبير لا يمتلك سلطة القرار في نفس الآن.

اقترح السوسيولوجي المغربي "عمار حمداش" بمقابلة أجراها الباحث معه ثلاثة معايير كبرى وأولية يمكن أن تكون مدخلا معياريا للخبير:

-       المعيار الأكاديمي والذي نجد به عدد من المؤشرات كالإنتاج العلمي مثلا.

-        معيار الأبحاث الميدانية /

-       المساهمة في تكوين وتدريب أجيال تنتمي لنفس الجماعة العلمية.

-       وتضيف بعض الكتابات السوسيولوجيا معايير أخرى:

-        المؤهلات والشهادات العلمية والمهنية.

-      

الإنجازات والتقديرات المتعلقة بمجال التخصص.

-       الموضوعية والحياد.

-        إلزامية الاستمرار في التدريب والمشاركة في الندوات وأماكن تبادل المعارف والمعلومات.

-        الاطلاع على أفضل الخبرات.

-        القدرة على تقديم الإرشاد والتوجيه وتقديم الحلول الممكنة.

-       القدرة على احترام الموعد المحدد بفضل مهارات محددة الالتزام بالمهمة التي تكلف بها الخبير.

 ويضيف الباحث والخبير "أحمد بوزيان "معيارا أساسيا يميز عمل الخبير هو التقييم النقدي من أجل المساهمة في تجويد القدرات الفردية والجماعية وكدا تمحيصه لبيان مستواه وجوانب الجودة وجوانب القصور فيه. فالتقييم إذا يحضر عموما منذ الخطوة الأولى أي منذ لحظة التعاقد حيث يعرض الخبير وجهة نظره وكيف سينجز تدخله. ويتبعه ذلك بمناقشة نقدية معمقة مع الخبراء والمسؤولين عن التقييم فهذه العملية هي أصل كل شيء.

-       كما يؤكد العديد من الباحثين والخبراء على أهمية الميدان في تكوين شخصية الخبير. فالميدان هو المدرسة الأولى والأخيرة للخبير كما ذكر "جوزيف ثابت".

رغم هذه المعايير الصارمة نجد بعض الافراد يصفون أنفسهم بالخبراء وهم ليسوا كذلك. بعض العوامل التي تقتل الخبرة كضعف التأطير، البعد عن الميدان والاقتصار على العمل المكتبي، المغادرة الطوعية، التعريب، المحسوبية والزبونية، الخبرة بالنيابة. ليس كل من يملك معرفة في مجال ما يمكن أن نطلق عليه صفة الخبير، الخبرة لها شروط محددة اقترح الكاتب سلما معياريا يتشكل من مجموع معاملات تحدد مراتب الخبراء حيث تزداد كفاءة الخبير و حرفيته كلما تطورت هذه المعاملات و تضاعف مجموع تنقيطها.